سورة يوسف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {وجاءت سيارة} أي: قوم يسيرون {فأرسلوا واردهم} قال الأخفش: أنّث السيارة وذكّر الوارد، لأن السيارة في المعنى للرجال. وقال الزجاج: الوارد: الذي يَرِدُ الماء ليستقي للقوم.
وفي اسم هذا الوارد قولان:
أحدهما: مالك بن ذُعْر بن يؤيب بن عيفا بن مدين بن إِبراهيم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: مجلث بن رعويل، قاله وهب بن منبه.
قوله تعالى: {فأدلى دَلْوَهُ} أي: أرسلها. قال الزجاج: يقال: أدليت الدلو: إِذا أرسلتها لتملأها ودلوتها: إِذا أخرجتها. {قال يا بشراي} قرأه ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {يا بشرايَ} بفتح الياء وإِثبات الألف. وروى ورش عن نافع {بشرايْ} و{محيايْ} [الأنعام: 162] و{مثواي} [يوسف: 23] بسكون الياء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {يا بشرى} بألف بغير ياء. وعاصم بفتح الراء، وحمزة، والكسائي يميلانها. قال الزجاج: من قرأ {يا بشراي} فهذا النداء تنبيه للمخاطبين، لأن البشرى لا تجيب ولا تعقل؛ فالمعنى: أبشروا، ويا أيها البشرى هذا من أوانك، وكذلك إِذا قلت: يا عجباه، فكأنك قلت: اعجبوا، ويا أيها العجب هذا من حينك؛ وقد شرحنا هذا المعنى [هود 69 و74].
فأما قراءة من قرأ {يا بشرى} فيجوز أن يكون المعنى: يا من حضر، هذه بشرى. ويجوز أن يكون المعنى: يا بشرى هذا أوانك على ما سبق بيانه من تنبيه الحاضرين. وذكر السدي أنه نادى بذاك أحدهم وكان اسمه بشرى. وقال ابن الأنباري: يجوز فيه هذه الأقوال، ويجوز أن يكون اسم امرأة. وقرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: {يا بُشْرَيَّ} بتشديد الياء وفتحها من غير ألف. قال ابن عباس: لما أدلى دَلْوَه؛ تعلق يوسف بالحبل فنظر إِليه فإذا غلام أحسن ما يكون من الغلمان، فقال لأصحابه: البشرى، فقالوا: ما وراءك؟ قال: هذا غلام في البئر، فأقبلوا يسألونه الشركة فيه، واستخرجوه من الجُبِّ، فقال بعضهم لبعض: اكتموه عن أصحابكم لئلا يسألونكم الشركة فيه، فإن قالوا: ما هذا؟ فقولوا: استبضعنَاه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر؛ فجاء إخوة يوسف فطلبوه فلم يجدوه في البئر، فنظروا، فإذا هم بالقوم ومعهم يوسف، فقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فقال مالك بن ذعر: فأنا أشتريه منكم، فباعوه بعشرين درهماً وحُلَّة ونعلين، وأسره مالك بن ذعر من أصحابه، وقال: استبضعَناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر.
قوله تعالى: {وأسرُّوه بضاعة} قال الزجاج: {بضاعةً} منصوب على الحال، كأنه قال: وأسرّوه جاعليه بضاعة. وقال ابن قتيبة: أسرّوا في أنفسهم أنه بضاعة وتجارة. في الفاعلين لذاك قولان:
أحدهما: أنهم واردو الجب. أسرّوا ابتياعه عن باقي أصحابهم، وتواصَوا أنه بضاعة استبضعهم إِياها أهل الماء؛ وقد ذكرنا هذا المعنى عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: أنهم إِخوته، أسروّا أمره، وباعوه، وقالوا: هو بضاعة لنا، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضاً.
قوله تعالى: {والله عليم بما يعملون} يعمّ الباعة والمشترين.


قوله تعالى: {وشروه} هذا حرف من حروف الأضداد، تقول: شريت الشيء، بمعنى بعته؛ وشريته؛ بمعنى اشتريته. فإن كان بمعنى باعوه، ففيهم قولان:
أحدهما: أنهم إِخوته، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنهم السيارة، ولم يبعه إِخوته، قاله الحسن، وقتادة. وإِن كان بمعنى اشتروه، فإنهم السيارة.
قوله تعالى: {بثمن بَخْسٍ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الحرام، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة في آخرين.
والثاني: أنه القليل، قاله عكرمة، والشعبي، قال ابن قتيبة: البخس: الخسيس الذي بُخس به البائع.
والثالث: الناقص، وكانت الدراهم عشرين درهماً في العدد، وهي تنقص عن عشرين في الميزان، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {دراهم معدودة} قال الفراء: إِنما قيل: {معدودة} ليُستدَل بها على القلَّة. وقال ابن قتيبة: أي: يسيرة، سهل عددها لقلَّتها، فلو كانت كثيرة لثقل عددها. وقال ابن عباس: كانوا في ذلك الزمان لا يَزِنُون أقل من أربعين درهماً، وقيل: إِنما لم يَزِنُوها لزهدهم فيه.
وفي عدد تلك الدراهم خمسة أقوال:
أحدها: عشرون درهماً، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، وعكرمة في رواية، ونوف الشامي، ووهب بن منبِّه، والشعبي، وعطية، والسدي، ومقاتل في آخرين.
والثاني: عشرون درهماً وحُلَّة، ونعلان، روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: اثنان وعشرون درهماً، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والرابع: أربعون درهماً، قاله عكرمة في رواية، وابن إِسحاق.
والخامس: ثلاثون درهماً، ونعلان، وحُلَّة، وكانوا قالوا له بالعبرانية: إِما أن تُقرَّ لنا بالعبودية، وإِما أن نأخذَك منهم فنقتلَك، قال: بل أُقرُّ لكم بالعبودية، ذكره إِسحاق بن بشر عن بعض أشياخه.
قال المفسرون: اقتسموا ثمنه، فاشترَوا به نعالاً وخفافاً.
وكان بعض الصالحين يقول: والله ما يوسف وإِن باعه أعداؤه بأعجبَ منك في بيعكَ نفسَكَ بشهوةِ ساعةٍ من معاصيك.
قوله تعالى: {وكانوا فيه من الزاهدين} الزهد: قلَّة الرغبة في الشيء.
وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم إِخوته، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا، في هاء {فيه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى يوسف، لأنهم لم يعلموا مكانه من الله تعالى، قاله الضحاك، وابن جريج. والثاني: أنها ترجع إِلى الثمن. وفي علَّة زهدهم قولان: أحدهما: رداءته. والثاني: أنهم قصدوا بُعد يوسف، لا الثمن.
والثاني: أنهم السيارة الذين اشترَوه.
وفي علَّة زهدهم ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم ارتابوا لقلة ثمنه. والثاني: أن إِخوته وصفوه عندهم بالخيانة والإِباق. والثالث: لأنهم علموا أنه حر.


قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر} قال وهب: لما ذهبت به السيارة إِلى مصر، وقفوه في سوقها يعرضونه للبيع، فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنَه مسكاً، ووزنه ورِقاً، ووزنه حريراً، فاشتراه بذلك الثمن رجل يقال له: قطفير، وكان أمين فرعون وخازنه، وكان مؤمناً. وقال ابن عباس: إِنما اشتراه قطفير من مالك بن ذعر بعشرين ديناراً، وزوجَيْ نعل، وثوبَيْن أبيضين، فلما رجع إِلى منزله قال لامرأته: أكرمي مثواه. وقال قوم: اسمه أُطفير.
وفي اسم المرأة قولان: أحدهما: راعيل بنت رعاييل، قاله ابن إِسحاق. والثاني: أزليخا بنت تمليخا، قاله مقاتل. قال ابن قتيبة: {أكرمي مثواه} يعني أكرمي منزله ومقامه عندك، من قولك: ثويت بالمكان: إِذا أقمت به. وقال الزجاج: أحسني إِليه في طول مُقامه عندنا. قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرَّس في يوسف، فقال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا} وابنة شعيب حين قالت: {يا أبت استأجره} [القصص 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر.
وفي قوله: {عسى أن ينفعَنَا} قولان:
أحدهما: يكفيَنَا إِذا بلغ أمورنا. والثاني: بالربح في ثمنه.
قوله تعالى: {أو نتخذه ولداً} قال ابن عباس: نتبنَّاه. وقال غيره: لم يكن لهما ولد، وكان العزيز لا يأتي النساء.
قوله تعالى: {وكذلك مكنَّا ليوسف} أي: وكما أنجيناه من إِخوته وأخرجناه من ظلمة الجُبِّ، مكنَّا له في الأرض، أي: ملَّكناه في أرض مصر فجعلناه على خزائنها. {ولنعلِّمه} قال ابن الأنباري: إِنما دخلت الواو في {ولنعلِّمه} لفعل مضمر هو المجتلب للام، والمعنى: مكنَّا ليوسف في الأرض، واختصصناه بذلك لكي نعلِّمه من تأويل الأحاديث. وقد سبق تفسير {تأويل الأحاديث} [يوسف 6]. {والله غالب على أمره} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله، فالمعنى: أنه غالب على ما أراد من قضائه، وهذا معنى قول ابن عباس.
والثاني: أنها ترجع إِلى يوسف، فالمعنى: غالب على أمر يوسف حتى يبلِّغه ما أراده له، وهذا معنى قول مقاتل. وقال بعضهم: والله غالب على أمره حيث أمر يعقوبُ يوسفَ أن لا يقصَّ رؤياه على إِخوته، فعلموا بها، ثم أراد يعقوب أن لا يكيدوه، فكادوه، ثم أراد إِخوة يوسف قَتْلَه، فلم يقدَّر لهم، ثم أرادوا أن يلتقطه بعض السيارة فيندرس أمره، فعلا أمره، ثم باعوه ليكون مملوكاً، فغلب أمره حتى ملك، وأرادوا أن يعطفوا أباهم، فأباهم، ثم أرادوا أن يغرّوا يعقوب بالبكاء والدم الذي ألقَوْه على القميص، فلم يَخْفَ عليه، ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قوماً صالحين، فنسوا ذنبهم إِلى أن أقرُّوا به بعد سنين. فقالوا: {إِنا كنا خاطئين} [يوسف 97]، ثم أرادوا أن يمحوا محبَّته من قلب أبيه، فازدادت، ثم أرادت أزليخا أن تلقي عليه التهمة بقولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} [يوسف 25]، فغلب أمره، حتى شهد شاهد من أهلها، وأراد يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي، فنسي الساقي حتى لبث في السجن بضع سنين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8